المقالات

السيدة ماري تيفوئيد!!

في القرن الميلادي الماضي حدثت قصة غريبة وغير متوقعة، ارتبطت هذه القصة بوباء (حمى التيفوئيد)، كانت بطلتها امرأة أمريكية من أصول إيرلندية وُلِدت عام 1889م في أيرلندا ثم سافرت مع أسرتها إلى نيويورك وهي في سن الخامسة عشرة، اسمها (ماري مالون) والتي لُقبت بعد هذه القصة بلقب (ماري تيفوئيد).
بدأت القصة في صيف عام 1906م، عندما كانت السيدة (ماري مالون) تعمل طاهية في عدد من منازل العائلات الثرية في قرية (أوستر باي)، بضاحية مدينة نيويورك.
وكانت “ماري” ما إن تستقر في منزل أحدهم حتى يسقط أفراد العائلة واحدًا تلو الآخر بالتيفوئيد، كان أحدهم قصر أحد رجال القانون حيث تم نقل 8 أفراد من عائلته إلى المستشفى فقط بعد مرور أسبوعين على تعيينها.
انتشر وباء (حمى التيفوئيد) في القرية وقتها، أدى ذلك إلى قيام الطبيب (جورج سوبر)، بدراسة أسباب تفشي المرض. وبعد إجرائه الأبحاث المخبرية، ساوره الشك في (ماري مالون)، لإعدادها بعض الوجبات التي اعتمدت في طريقة إعدادها على مواد غير مطبوخة، وأهم ما لاحظه الطبيب أن الوباء انتشر في جميع المنازل التي عملت فيها (ماري) على الرغم من عدم ظهور أية أعراض عليها.
عندها طلب الطبيب عينات من (ماري) وقام بإرسالها للمختبر لإجراء التحاليل التي أظهرت أن (ماري) ناقل عديم الأعراض للبكتيريا الموجودة في مرارتها والتي تُسَبِّب مرض (حمى التيفوئيد) دون أن يكون هناك أي تأثير عليها، وقد نقلت المرض لنحو 53 شخصًا على الأقل في الفترة ما بين 1900م و1915م، مات منهم ثلاثة.
أوصى الأطباء بوضعها في حجر صحي بمستشفى محلي بجزيرة (نورث براذر آيلند) بنيويورك. وبعد ثلاث سنوات من الحجر الصحي في المستشفى، قامت (ماري) برفع دعوى قضائية على المسؤولين بمدينة نيويورك بتهمة إجبارها على المكوث في الحجر الصحي لمدة طويلة، لتكسب القضية وبموجبها سُمح لها بالمغادرة بشرط الابتعاد عن مهنة الطبخ في المنازل.
مع مرور الوقت، عادت (ماري) لمهنة الطبخ مرةً أخرى بعد أن قامت بتغيير اسمها إلى (ماري براون)، وبعد مرور خمس سنوات بدأ انتشار حالات لحمى التيفوئيد من جديد في المدينة فتم القبض عليها.
وبعد البحث والتحري تم التعرف على هويتها الحقيقية، وعندها قرر الأطباء إرسالها مرة أخرى للحجر الصحي في الجزيرة. تعرضت عندها (ماري مالون) لهجوم شرس من الصحافة المحلية لدرجة أن لقبتها بلقب “ماري تيفوئيد”.
مكثت (ماري مالون) في الحجر الصحي لمدة تزيد عن 25 سنة إلى أن فارقت الحياة في نوفمبر 1938م بسبب إصابتها بالسكتة القلبية، وليس بالتيفوئيد الذي ارتبط اسمه بها.

أ. د. بكري معتوق عساس

مدير جامعة أم القرى سابقًا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى