عام

“الطائف” روح التاريخ وقلب الجغرافيا

“الطائف” مصيف الجزيرة العربية المزدان بالغيوم الحبلى بماء السماء والطبيعة الساحرة المكثف بأساطير بالغة الأهمية المنغرس بجذوره العميقة والعتيقة في تضاريس التاريخ، المضيء في جبين الزمن، وإذا كانت حدود المدن شرقًا وغربًا وشمالًا وجنوبًا فإن حدود “الطائف” تاريخ وحضارة، وفن وتراث، أما معالمه فجمال وبهاء، وسحر وغناء وفتنة وروعة.
فـ”الطائف” الذي تلتقى عنده السبل ولا تفترق، ويتوافق على فردوسه الفاتن الجمع ولا يختلف، فشمس الحضارة والتاريخ، أشرقت من مشارف “الطائف”.
“الطائف” مدينة موغلة في القدم تعود إلى زمن بعيد؛ حيث قدر البعض عمرها بأكثر من 2000 سنة، ويؤكد ويوثق ذلك سجلها الحافل من الآثار من العصر الجاهلي والإسلامي الدالة عليها النقوش والحفريات والمقتنيات التى عثر عليها حديثًا، تحكى عراقة وتاريخ وماضي هذه المدينة، ومن هذه المعالم الأثرية النقوش الثمودية، والسدود القديمة.
تتميز “الطائف” بطبيعة التباين الطبوغرافي مما أوجد فيها تباينًا خلاقًا لبيئاتها الطبيعية؛ حيث تحتضن تضاريسها أكثر من (400) أربعمائة قمة جبلية، تتفاوت في الارتفاع والحجم، ويتركز معظمها في الأجزاء الغربية والجنوبية كما تقع على قمة جبل غزوان على ارتفاع 1700 إلى 2500م عن سطح البحر مما أكسبها جوًا بديعًا, كما تتميز بأرخبيل الغابات الكثيفة الرائعة، كما تسودها السهول الواسعة التي تزدان بالأزهار البرية في مواسم الأمطار.
هنا تؤكد هذه المدينة إثارتها مستغلة روعة جمالها الطبيعي والصيفي؛ فهو يجلب الانتباه ويثير الدهشة بتلاله التي يغمرها الضباب لترسم ظلالها خلف أشجار العرعر ذات البهجة المتزاهية بشدة اخضرارها، والمترامية بتناسق على التلال والسفوح والجبال، واكتسبت مكانة اقتصادية بموقعها الاستراتيجي على طريق القوافل التجارية بين اليمن، وكل من مكة والمدينة، وتوسط موقعها على مستوى المملكة.
وزاد من أهميتها، أنها حلقة وصل بين كل من المنطقتين الوسطى والجنوبية من جهة والمنطقة الغربية من جهة أخرى، وتعد من أهم المعابر إلى قلب الجزيرة العربية، وقد أعطى هذا الموقع المتميز لمدينة “الطائف” عُمقها التاريخي، وأهميتها الإقليمية في الماضي والحاضر؛ بالإضافة إلى قربها من الأراضي المقدسة في مكة المكرمة.
فمدينة “الطائف” تعتبر البوابة الشرقية لمكة المكرمة حيث تقع في وسط سراة الحجاز وفي أحضان جبل عزوان، وهذا الجبل يبلغ ارتفاعه ستة آلاف قدم، وأدى هذا الارتفاع في السطح إلى اعتدال المناخ، وإلى برودته أحيانًا، وهناك نظرية جغرافية معروفة تربط بين درجة الحرارة ودرجة الحضارة، فتجعل انخفاض درجة الحرارة من عوامل التقدم الحضاري، فلا غرو إن أصبحت مدينة “الطائف” من أكثر بلاد العرب حضارة.
تقع “الطائف” في الجزء الغربي من المملكة العربية السعودية، وتحتل ثالث مدن إقليم الحجاز من حيث الأهمية من حيث مساحتها الشاسعة من إمارة منطقة مكة المكرمة، وتبلغ نسبتها حوالي 67% من إجمالي مساحة الإمـارة ونحو 2% من إجمالي مساحة السعودية.

وتمتد محافظة “الطائف” في اتساعها هذا إلى 275 كيلًا من الشرق إلى الغرب، وحوالي 405 كيل من الشمال إلى الجنوب، وتضم أجزاء كبيرة من سلسلة جبال السروات في الجنوب، وهضبة نجد التي تمتد إلى اتجاه الشمال والشرق، ويطل الجرف الغربي لجبال السروات على سهل تهامة الساحلي الذي يمتد طولًا بين تلك الجبال والبحر الأحمر؛ حيث لا يبعد عن الحد الغربي للمحافظة بأكثر من 140 كيلًا بينما تقترب المسافـة إلى حوالي 100 كيل في الجزء الجنوبي من “الطائف”.
مدينة “الطائف” استحقت أن تكون أجمل مدن الجزيرة العربية، إذ حباها الله بمزايا وخصائص طبيعية قل أن نجدها في المدن الأخرى. فقد منحها الله مناخًا معتدلًا طوال العام، وطبيعة خلابة من أودية وجبال رائعة، وبها مزارع شاسعة تزدان جنباتها بالأشجار الباسقة وأصبح يطلق عليها بستان مكة؛ لشهرتها بإنتاج العديد من الخضراوات والحبوب، والفواكه المتنوعة، ووصفها الحموي في معجمه، أن ثمار “الطائف” تشبه ثمار الروم، وأنها بقعة من أرض الشام، وأخذت فواكهها اللذيذة شهرة عالمية. فأصبحت تُقام بها مهرجانات عديدة، كمهرجان الرمان، والعنب، والخوخ والتوت والمشمش والعناب واللوزيات، والعسل، ومهرجانها الدولي الورد الطائفي، حتى منحت “الطائف” اسمها، فصارت مدينة الورود.
“الطائف” المأنوس اهتم وتغنى به الرحالة والمؤرخون الجغرافيون قديمًا وحديثًا، وزارها العديد من الرحالة المغامرين والمبشرين والعشاق الحالمين والمفكرين والسادة العرب؛ مشيدين بروعة هذه البقعة ذات المناخ المعتدل وآثاره التي تستنبت الأساطير والروايات المكثفة لنقش صورتها ووصفها بأنا متوشحه عباءة التاريخ متكاملة السمات محددة المعالم واضحة الصورة تعتز بالاستقلال لشخصيتها المتميزة؛ حيث نمت بها أولى ملامح التاريخ القديم الممتزجة بحضارات الأمم السابقة المنفردة.
كما اشتهرت “الطائف”، وأصبحت في ذاكرة العقل العربي؛ وذلك بالشعاع الكرنفالي كسوق عكاظ الذي يعد سوقًا اقتصاديًا ومعلمًا ثقافيًا ومهرجانًا أدبيًا تمتزج فيه التجارة ببريق الإبداع الشعري ومسرحًا ينتج معالم للأدب والشعر والحكمة تتسابق فيه القبائل يتناشدون، ويفتخرون مشعلين جذوة روح التنافس الذي أنتج الكثير من النوابغ والرموز في الحضارة العربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى